الأربعاء، 27 أغسطس 2008

احترفت الصمت - استرسال


استرسال هو ، أو تداعى حر لبقايا مشاجرات و مشاحنات كلامية فاض بها المحتوى العقلى ، فسالت كأسطر هنا ، ربما كان بينها رابط ما ، و ربما كانت كلها متفرقات و متناقضات ، فقط لتأخذ نفساً عميقاً ، و لتأتى معى لنغوص فى بحر من ترهاتى البالية ..


قديماً أفهمونا أن للصمت قدسية خاصة و هالة جلال ، فالشخص الصموت هو شخص يجيد الانصات ، يستمع ، يختزن ، يحلل ، و حين يتكلم فلا يصدر فى سوى عبارة تصيب كبد الحوار و تنهية فى الحال . أخذت بالنصيحة ، و بدأت أتابع الآخرين فى صمت ، استمع و احلل و اقارن ، و حين تكلمت ، وجدت أن ما أقول مشابه لتلك السخافات التى يقولها الآخرون ، فعدت منسحباً لصمتى ثانية ، و حين هممت بتكرار الكلام صدرت نفس السخافات ، فعدت إلى صمتى المقدس ، لكن تلك المرة صمت للصمت ، فأذناى واصلتا عملهما فى الانصات ، لكن دون وجود ذلك المُسْتَقبِل الذى يقارن و يحلل ، و اكتفيت بالصمت الفارغ و هالته المجوفة ، و لا بأس بكلمة فارغة هنا أو هناك كى يبقى اللسان (عضو الكلام) يعمل و لا يتحجر.

قديماً أيضاً علمونا أن كثرة الكلام خصلة سيئة ، و أنه حين نهم بالكلام لابد من أن يكون لهدف و له معنى ، و للتعبير عن شيئ محدد ، لكن ماذا عمن التصق بالصمت ، اصبحت حاجته للكلمات مجرد نوع من الحاجات الإرادية الجبرية ، كالتبول و الإخراج بأنواعه ، لكن عندما يصاب الإنسان بالجفاف ، فلا يبقى لدية شيئ ليخرجه ، و هكذا الكلام ، أصبت بحالة من جفاف العقل ، ففقدت القدرة على الكلام ، و عند الاستشفاء ، لم أعد كما كنت ، بل أصبح هناك عطب ما ، تصنعت البلاهة و تجاهلت ذلك العطب ، و حاولت الانخراط فى ذلك النشاط الانسانى المدعو الكلام ، فصرت أتكلم لكى أتكلم فقط ، و حينما أود التعبير عما يعتمل بداخلى ، اجدنى أتكلم بمفردات تعبر عن عكس ذلك تماماً ، فتجدنى أرقص طرباً وقتما أكون فى قمة اشتعالى غضباً ، و حينما أتحدث بصلافة غاضب لا يرى سوى نصف الكوب الفارغ قد أكون وقتها فى حالة انتشاء و سعادة . فأصبح الكلام روتيناً مقيتاً مملاً البعد عنه كسلخ الشاة قبل ذبحها ، و تحول الخرس إلى نعمة قاتلة تذهب بصاحبها إلى جنون حتمى .

لو كان أهم مقومات الحياة هو القدرة على التعايش و التواصل مع نفسك قبل من حولك ، فلم الحياة بين خيارين كلاهما لا رحمة فيه . أنصت فأجد أبليس الخبيث يهمس لى بالانتحار ، خسئت يا لعين ، اتوسوس لى بقتل نفسى ، لكن الاستمرار فى الحياة بتلك الطريقة هو انتحار مؤكد ، فما الحل إذن ؟
ألا يأتى يوم يموت فيه الجميع ، لتنتهى الحياة كافة ، و أستريح و يستريح كافة البشر ..

و هكذا احترفت الصمت بحثاً عن طريقة استحضر بها نهاية للحياة

الجمعة، 15 أغسطس 2008

فارس الظلام - هل تهزم الفطرة الإنسانية الشر المطلق؟



Batman
The Dark Knight







مقدمة

كلنا أو معظمنا يعرف شخصية Batman أو الرجل الوطواط الشهيرة التى بدأت منذ عقود كسلسلة من القصص المصورة من ضمن سلاسل شركة DC Comics و كانت تلك الشخصية هى الأنجح و الأشهر لتلك الشركة



و تم تحويلها إلى سلسلة أفلام فى نهايات القرن الماضى ، لكنها لم تكن بالمستوى الذى يقنع عقل المشاهد و انحصرت فى دائرة أفلام الخيال العلمى ذات المعالجات الساذجة ، تلك التى تستحوذ على إعجاب المراهقين و الأطفال الذين يهمهم فى المقام الأول الإبهار الشكلى دون عمق القصة أو المعالجة



و توقفت تلك السلسلة فى نهايات التسعينات بعد فشل أخر أجزائها

و انقطعت أخبار الوطواط لفترة تقارب عقد من الزمان ، و كأن هوليوود أقفلت ملف تلك الشخصية ، لكن و منذ ثلاثة أعوام عرض جزء أخر من تلك السلسلة ، بوجوه شبه جديدة و أسماء من العيار الثقيل ، و اتقان تكنولوجى و أدبى مختلف

لكن ما تصورناه كمشاهدين أنه جزء جديد لم يكن كذلك ، بل هو إعادة لسلسلة الرجل الوطواط فى ثوب جديد و مَنْطَقة جديدة للأحداث بعيدة تماماً عن السطحية التى عولجت بها السلسلة السابقة

و نجح الجزء الأول نجاح باهر ، لكنه غير مدوى ، و يمكن القول بإن المخرج كريستوفر نولان Christopher Nolan اكتفى ببناء أرض جديدة تقف عليها شخصية الوطواط تمهيداً لأجزاء تالية

و عرض هذا العام الجزء الثانى ، و كان حقاً مفاجأة العام سينيمائياً

و كانت أولى مفاجآته هى موت أحد الأبطال ، هيث ليدجر المجسد لشخصية الشرير (الجوكر) ، و هنا بدأت محركات البحث فى البحث عن أى معلومات عن الفيلم الجديد ، حتى يوم عرضه

* * *

تدور أحداث الفيلم كالمعتاد فى مدينة جوثام الغارقة حتى شحمتى أذنيها فى بحر من الجريمة المنظمة

ملخص الـ (حدوتة):
يتحد الرجل الوطواط البطل المقنع مع جيمس جوردن رجل القانون ، و المدعى العام هارفى دينت (الرافض للرجل الوطواط) ، للقضاء على لص البنوك الملقب نفسه بالجوكر ، لكن الجوكر يتمادى فى جرائمه ، و يصبح هدفه هو كشف قناع الوطواط ، و الدفع بمدينة جوثام إلى الفوضى التامة




* * *

الشخصيات


Bruce Wayne / Batman
بروس واين / الرجل الوطواط

رجل الأعمال الوسيم و محارب الجريمة المجهول فى مدينة جوثام ، اختلفت الشخصية فى السلسة المعادة عن سابقتها فى أن الرجل الوطواط هو أدمى كغيره ، رغم محاربته للجريمة و وضعه على قائمة المطلوبين للعدالة كخارق للقوانين ، و رغم أنه محارب الجريمة ، لكنه يقع فى فخ الغاية تبرر الوسيلة فى الإفراط فى العنف و اختراق خصوصيات الأخرين و التجسس عليهم كى ينفذ ما يريد




The Joker
الجوكر

المجرم المختل نفسياً ، يمارس الجريمة للجريمة ، و لكى يثبت أن البشر جميعاً يميلون بطبعم إلى الشر ، يصف نفسه و ممارسته للجريمة بجملة فى الحوار قائلاً "أنا كالكلب الذى يجرى خلف سيارة مسرعة ، لا يعرف ماذا يفعل بها إذا وقعت فى يديه ، هو فقط يجرى"




D.A. Harvey Dent / Two-Face
هارفى دينت / ذو الوجهين

مدعى عام مدينة جوثام و محارب الجريمة و فارسها الجديد ، هدفه الوحيد فى الحياة هو القضاء على المافيا و الجريمة المنظمة ، شخص شديد الإخلاص و النزاهة ، لكنه يتحول ليصبح الشخصية الشريرة الثانية فى الفيلم (Tow Face أو ذو الوجهين) ، و تعكس الشخصية كيف يتحول شخص نظيف اليد إلى منتقم أعمى لا هدف له سوى قتل من آذوه




Gordon
جيمس جوردن (رئيس وحدة مكافحة الجريمة)

رجل القانون الشريف الذى يثق فى رجاله لكنهم فى الحقيقة أغلبهم فاسدون ، و يرى أن خلاص مدينة جوثام فى فارسها الغامض الوطواط




Alfred
ألفريد (مربى بروس واين و خادمه)

الخادم و المربى و مساعد الوطواط ، و صوت العقل الحكيم وقت حاجة سيده إليه




Lucius Fox
لوشيوس فوكس

العالم العبقرى الذى يساعد بروس واين فى إدارة مؤسسته الإقتصادية الضخمة ، و هو أيضاً من يزود الوطواط بإحدث الأدوات القتالية




Rachel Dawes
ريتشل دوز

حبيبة بروس واين (الوطواط) السابقة ، و حبيبة هارفى دينت الحالية ، و هى نقطة التحول فى شخصية دينت ، و السبب فى ميل الوطواط إلى العنف المفرط و مبدأ الغاية تبرر الوسيلة


* * *

طبيعية و منطقية الشخصيات فى الفيلم

اختلف ذلك الجزء عن كل ما سبقه من سلسلة أفلام الرجل الوطواط فى منطقية عرض و تحول شخصياته



فنجد الجوكر مجرد مجرم مختل نفسياً ، مشوه الوجه ، لجأ إلى استخدام مساحيق التجميل لإخفاء وجهه المشوه ، و رسم وجه الجوكر الضاحك على وجهه ، الطبيعية هنا كانت فى أن مساحيق التجميل هذه لم تكن كاملة و متقنه طوال الوقت ، ففى المشاهد الداخلية محدودة الحركة تجد وجهه تام البياض كامل الاخفاء ، و مشاهد أخرى أثناء و بعد المطاردات و الحركة تجد تلك المساحيق بدأت تزول لتظهر بشرة وجهه من تحتها
فتشعر بطبيعية استخدام المساحيق كقناع على الوجه يمكن أن يزال مع الحركه و العرق ، لا قناع ثابت من المساحيق لا يتغير فيه شيئ مهما بذلت الشخصيه من مجهود



طريقة آداء شخصية الجوكر و تجسيد انفعالاتها المتطرفه ، و الحركات اللا إرادية التى تصدر منه تشعر إنها جزء من انفعالاته الداخلية تتسرب منه بغير إرادته ، استخدم فيها هيث ليدجر عيناه و جميع عضلات وجهه بأسلوب أكثر من رائع





أما الوطواط ، فى الثلث الأخير من الفيلم ، يبدأ بالتخلى عن نظافة يده فى التعامل مع الجريمة ، و يستغل جميع مواطنى جوثام دون علمهم كى يستطيع القضاء على الجوكر ، دون أن يدرى أنه بذلك ينفذ جزء من أهداف الجوكر فى جعل الجميع يتحولون إلى الشر مهما كانت نواياهم

و كان المفاجأه فى أحداث الفيلم هو طريقة تحول هارفى دينت من رجل القانون المثالى إلى المجرم المنتقم ذو الوجهين ، بطريقة درامية منطقية جداً ، فهو لم يقع فى حوض من سائل حارق ، ولم يشرب تركيبة غامضة أثرت على جيناته بطريقة هزلية حولته من المثالية إلى الإجرام

* * *

أسباب اختلاف الفيلم عن أمثاله من أفلام الأبطال الخارقين و ما شابه


يكمن الإختلاف فى البعد عن التفسيرات الفانتازية للأحداث و التعامل مع الشخوص على أنها بشر من لحم و دم
فالشخصيات كلها تم بناءها بأسباب منطقية نفسية يمكن أن يتعرض لها أى إنسان ، مع اختلاف أن السينما تعرض تلك المؤثرات بشكل مختلف عن الواقع


فالوطواط بطل السلسلة الرئيسى ، تعرض فى صغره لحادث مع حيوان الوطواط ، ترك فى نفسه أثراً منذ صغره حتى كبر و مع مقتل والديه ، تحول كرهه للجريمة إلى البحث عن طريقة لمواجهتها ، و اتخذ من الوطواط رمزاً لما لهذا الحيوان من أثر فى نفس مخيف أى إنسان يتعرض له ، و لأنه يتحرك فى الظلام و الليل فقط كما يعيش ذلك الحيوان الليلى ، و باقى المهارات ما هى إلا استغلال للتكنولوجيا التى تملكها مؤسسته

أما الجوكر فهو مريض نفسى مختل ، عاش حياته فى مصحة جوثام النفسية ، و يمكن القول بأنه إفراز طبيعى لمجتمع غير مستقر يعج بالجريمة و الظلم ، و رغم الكثافة العالية التى شحنت بها شخصية الجوكر ، إلا أنه يعتبر رمز لما قد يؤول إليه حال مواطنى تلك المجتمعات المختلة ، و استخدام مساحيق التجميل كناية عن مدى قبح الشخصية و لجؤها إلى التخفى

و أخيراً هارفى دينت المواطن المثالى الذى يتعرض لضغوط نفسية و بدنية تؤدى إلى تحول لنقيضة ، بخطوات و أسباب طبيعية ، قد تكون مبالغة بعض الشيئ ، لكنها منطقية ، لا تميل للفانتازيا .

الفيلم رغم امتلاء بالمطاردات و مشاهد الأكشن الممتعة و المتقنة بدرجة رائعة ، إلا أن الفيلم به خط نفسى اجتماعى فلسفى من العيار الثقيل

حيث يطرح الفيلم سؤالاً مهماً جداً ، هل البشر تميل طبيعتهم إلى العنف و التدمير ، و يحاولون فقط إخفاء ذلك تحت عباءة المدنية و التحضر ؟
ماذا لو وضعت حياة مجرم بين يدى بريئ و العكس فى ذات الوقت ، و كان الخيار لكلاهما هو حياتك مقابل حياة الأخر ، فهل يقدم البريئ على قتل المجرم بدم بارد ؟ هل يقتل المجرم البريئ باعتبار أن القتل جزء من حياته العادية ؟
ولو تمت تلك التجربة فعلاً فكيف ستكون نتيجتها ، و هل سيتحول البريئ إلى قاتل حفاظاً على حياته ؟

ملمح أخر نجده فى شخصية هارفى دينت حينما كان يستجوب أحد المجرمين الذين استغلهم الجوكر فى تنفيذ أحد مخططاته ، كان يهدده بقتله ، و يعطيه فرصة لنجاته باستخدام عملة معدينة (ملك و كتابة) ، و فى المرتان تنجى العملة ذلك المجرم ، و حين تدخل الوطواط كى ينقذ دينت من أن يلوث يديه بدماء المجرم ، وجد أنها عملة متشابهة الوجهان ، و هنا نجد أن دينت محارب الجريمة الشريف لم يكن ليقدم على قتل ذلك المجرم ، رغم تحوله بعد عدة مشاهد إلى قاتل بارد الدم .



و يأتى أحد أهم مشاهد الفيلم و هو حوار الجوكر و دينت فى المستشفى ، الحوار الذى تتكشف فيه كافة ملامح الجوكر النفسية و الاجرامية ، و فيه يكتمل تحول شخصية المدعى العام و محارب الجريمة هارفى دينت إلى ذو الوجهين القاتل المنتقم من الجميع .

* * *

الممثلون


Christian Bale
كريستيان بيل (الرجل الوطواط)

أدى الشخصية بهدوء بعيد عن الانفعال و المبالغة فى ردود الفعل ، فجاءت الشخصية مقنعة




Heath Ledger
هيث ليدجر (الجوكر)

ختم حياته بدور العمر ، و كان آداؤه رائعاً عبقرياً فى تنفيذ تفاصيل الشخصية الصغيرة من حركات لا إرادية و نبرة صوت و انفعالات ، أقنع الجميع أنه بالفعل مختل نفسياً يستمتع بممارسة الإجرام ، لدرجة جعلت البعض بعد الفيلم يبحث عن صورته ليرى التشوهات على وجهه دون مساحيق تجميل




Aaron Eckhart
أرون إيكهارت (هارفى دينت)

جائت انفعالاته رغم تناقضها فى أول الفيلم عن أخره مطباقه تماماً للشخصية ، فكان مقنعاً و هو رجل القانون محارب الجريمة ، و مقنعاً فى خجلة من المواجاهات الاجتماعية و الحفلات ، مقنعاً كمجرم و قاتل ينتقم ممن خانوه




Gary Oldman
جارى أولد مان (جوردن)

ارتدى عبائة رجل الشرطة فكان مقنعاً جداً




Michael Caine
مايكل كين (ألفريد)

تمكن بشكل كامل من الشخصية فلا تملك سوى الاعجاب به




Morgan Freeman
مورجان فريمان (لوشيوس)

الدور أصغر بكثير من حجم مورجان فريمان ، و رغم ذلك أداه بما يكفيه من امكانات دون استعراض




Maggie Gyllenhaal
ماجى جيلينهال (ريتشل دوز)

أدت دور الحبيبة المنقسم قلبها بين البطل و الأخر بشكل تقليدى



* * *

هوامش

الفيلم جمع فى يوم عرضه الأول فى الولايات المتحدة ما يفوق الـ 150 مليون دولار محققاً رقماً قياسياً جديداً فى عالم الايرادات فى هوليوود

و بعد أربعة أسابيع من عرضه أصبحت جملة إيراداته 442 مليون دولار و مازال متربعاً على قمة الأفلام المعروضة فى الـ Box-Office منذ يوم عرضه الأول

الفيلم على موقع IMDB أخذ تقييم 9.2 من 10 و يحتل حالياً المرتبة الثالثة فى قائمة أهم 250 فيلم فى التاريخ

نفس الموقع قام بعمل تصويت بين أعضائه و زواره على الفيلم بسؤال:
هل سيتقدم فيلم Batman The Dark Knight فى إيراداته على فيلم Titanic المتصدر قائمة الأفلام الأعلى إيراداتاً فى تاريخ هوليوود ؟
و ها هو الفرق يتقلص ليصبح حوالى 150 مليون دولار ، فهل يهزم فارس الظلام سفينة الأحلام الأسطورية ؟


هيث ليدجر مؤدى شخصية الجوكر ، ارتفعت اسهمه جداً بعد وفاته و عرض الفيلم ، لدرجة أن عدد من النقاد رشحوه لنيل جائزة الأوسكار ليصبح بذلك ثانى ممثل ينال تلك الجائزة بعد وفاته .